المعلم ابراهيم الجوهري
لم يقم بين القبط ملكاً أو أمبراطوراً أو سلطاناً ولكن اطلق على أبراهيم جوهرى أسم سلطان القبط لأنه ليس لأنه أصبح سلطانا له مملكة أرضيه ولكن كان رعاياه من الفقراء والمعوزين وخواصه وأمراء مملكته من الأيتام والأرامل وكل من له أحتياج , السلطان عند القبط هو الذى عنوان حياته من يدك أعطيناك يعطيه الرب فيعطى إلى الآخرين ولم يطلق لقب سلطان القبط فى العصر الحديث ولكنه وجد منقوشاً منذ القديم على حجاب أحد الهياكل فى كنيسة بدير الأنبا بولا الذى عمراه هذا الأرخن الكبير من ماله الخاص , كما يبينه لنا أيضاً القطمارس المحفوظ بالدير
كان يطلق على الكتبة وكبار رجال الحكومة لقب معلم فى زمن الإحتلال العثمانى يساعدهم المماليك فى حكم مصر , ومن عظماء هذا العصر الأرخن العظيم
(1) المعلم أبراهيم جوهرى وأخوه المعلم جرجس جوهرى وهم من مشاهير الأقباط الذان شغلا مناصب هامة فى جيلهما كما إستطاعا الإحتفاظ بتواضعهما ومحبتهما للرب والكنيسة ولفقراء الأقباط من القبط وغيرهم .
وتتميز الأمة القبطية عما عداها من الأمم فى أنها تنظر إلى العظماء نظرة مختلفة , فهم ينظرون إليهم بنجاحهم فى العالم وتقدمهم فى الفضائل الدينية , لهذا وضعتهما الكنيسة فى مصاف القديسين بالرغم من أنهما علمانيين لأنهما أرضيا الرب بأعمالهما الصالحة وعطائهما الوفير وإحتمالهما وصبرهما على التجارب والشدائد الذى جربهما بهم الشيطان فى العالم لأن القداسة ليست مقصورة على من يلبسون ذى معين او فى درجه وظيفية كبيرة سواء أكانت دينية أو دنيوية ولكنها عامة لهؤلاء الذين ينفذون كلام الإله وهذه دعوة عامة للجميع لى ولك من الرب يسوع ذاته.
والفضيلة البارزة التى وضحت فى حياة هاذين الشخصيتين هى العطـــاء وعمل الرحمـــة , وهناك أيات كثيرة تحث على رحمة الفقير والعطاء ويقرأها كثير من الناس ويحفظها آخرين عن ظهر قلب ولكن الذى ينفذ هو يرث الملك المعد له منذ تأسيس العالم : " 34 ثُمَّ يَقُولُ الْمَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا الْمَلَكُوتَ الْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ. 35 لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. 36 عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ. 37 فَيُجِيبُهُ الأَبْرَارُ حِينَئِذٍ قَائِلِينَ: يَارَبُّ، مَتَى رَأَيْنَاكَ جَائِعًا فَأَطْعَمْنَاكَ، أَوْ عَطْشَانًا فَسَقَيْنَاكَ؟ 38 وَمَتَى رَأَيْنَاكَ غَرِيبًا فَآوَيْنَاكَ، أَوْ عُرْيَانًا فَكَسَوْنَاكَ؟ 39 وَمَتَى رَأَيْنَاكَ مَرِيضًا أَوْ مَحْبُوسًا فَأَتَيْنَا إِلَيْكَ؟ 40 فَيُجِيبُ الْمَلِكُ وَيَقوُل لَهُمْ: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ." ( متى 25 : 34 - 40)
لقد طبقا هذان الأرخنان العظيمان جميع الوصايا الإلهية السابقة فى منطقة مصر القديمة وغيرها من أنحاء مصر فكانا ينظران إحتياجات الكنائس والفقراء ولهما عليها أيادى بيضاء , وقبرهما ما زالاً عندنا حتى هذا اليوم بكنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بمصر القديمة .
(2) المعلم إبراهيم جوهرى - كبير المباشرين (رئيس الوزراء)
نشأ المعلم إبراهيم جوهرى من أبويين فقيرين متواضعين , وكان أسم والده يوسف الجوهرى , وكان عمل أبوه فى صناعة الحياكة فى بلدة قليوب (3) وكان من المعتاد فى ذلك الزمان أن تورث العائلة الصنعة إلى بنيها ولكن كان أبواه مملوئين نعمة وإيماناً فربياة تربية مسيحية فى كتاب البلدة فتعلم الكتابة والحساب واتقنهما وتفوق فيهما على أقرانه لذكائة الخارق , وأصبح فيما بعد كاتباً (محاسباً وجامعاً للضرائب لأحد أمراء مصر الكبار )
محبته للعطاء بالرغم من فقره
وكثيراً ما كان ينسخ (يكتبها بخط يده تسمى اليوم مخطوط ) الكتب الدينية وتقديمها إلى الكنائس المختلفة التى تحتاجها على نفقته الخاصة , وعندما كان ينتهى من نسخ كتاب من الكتب كان يذهب به إلى كنيسة القديسة العذراء مريم المغيثة بحارة الروم البابا يؤنس الثامن عشر البطريرك الـ 107 الذى جلس على الكرسى البطريركى منذ سنة 1486 إلى 1512 ش التى توافق 1770 م - 1796 م وكانت عطاياه من نسخ الكتب كثيرة خاصة أن نفقاتها كانت كبيرة فى ذلك الوقت فإستفسر منه عن مورد مصاريفه التى يصرفها على نسخ هذه الكتب وتجليدها , فكشف له إبراهيم الجوهرى عن حاله , فسر البابا من غيرته وتقواة وعطاياه السخية وقربه إليه وباركه قائلاً إليه : " ليرفع الرب إسمك , ويبارك عملك وليقم ذكرك إلى الأبد " وتوثقت العلاقة بينهما منذ ذلك الوقت .
تدرجــه فى الوظـــائف
عمل إبراهيم جوهرى فى البداية فى وظيفة كاتب عند أحد أمراء المماليك , ثم توسط له البابا لدى المعلم رزق رئيس الكتاب فى هذا الوقت فإتخذه كاتباً خاصاً وأستمر يعمل مع المعلم رزق ثم صار رئيس للكتبه وبالغ إبراهيم فى إنكار ذاته وإظهر تواضع وعكف على صنع الخير لجميع الناس بدون تمييز بين أهل الأديان فذاع صيته وكسب محبة الجميع وسمع به على بك الكبير الذى ألحقة بخدمته , ولما حكم محمد بك أبو الدهب مشيخة البلاد (حاكم البلاد) بعد مقتل على بك الكبير وعندما مات المعلم رزق رئيس المباشرين أخذ مكانته المعلم إبراهيم الجوهرى وأصبح رئيساً للمباشرين وأحد عظماء عصره , ثم مات أبوا الدهب وخلفة فى حكم البلاد إبراهيم بك ومراد بك ظل المعلم إبراهيم الجوهرى فى منصب رياسة كتاب القطر المصرى وهى أسمى وظيفة حكومية وصل إليها قبطى فى ذلك العصر .
(3) حيـــاته العائلية
تزوج المعلم إبراهيم من إحدى قريباته وهى سيدة فاضلة تقية فشاركته فى تجاربه وقوة إيمانه وساعدته فى أعمال البر والإحسان وشجعته على تعمير بيوت الناس وبيوت العبادة ورزق منها بأبناً أسماه يوسف وأبنة أسماها دميانة وكبر يوسف فى خير أبيه وعزم إبراهيم الجوهرى أن يفرح بابنه ويزوجه فأعد داراً كبيرة وجهزها بأفخر المفروشات الحريرية وغيرها وأثمن الأوانى والأدوات , وأستعد لحفلة الزفاف ولكن شاءت الإرادة الإلهية أن تأخذ أبنه الوحيد قرة عينه قبل إتمام الزفاف , لعله كان مجرباً مثل أبينا إبراهيم أب الاباء , وحزن حزناً شديداً فأغلق المعلم إبراهيم البيت الذى أعده لأبنه على ما فيه من تحف .
(4) تعزية الأنبا أنطونيوس له ولزوجته
ولم يرد المعلم إبراهيم جوهرى سائلاً من الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل وكان يصنع لهم الولائم وأفرط يده فى سخاء وأرسل للرهبان الفقراء زاداً ومعونة فى الأديرة وأختطف الرب أبنه الوحيد وأنتقل من المساكن الأرضية غلى المساكن السمائية فحزن الرجل حزناً شديداً أما زوجته فقد أفرطت فى الحزن وألبست كل واحد فى بيتها ملابس الحداد ولم تخلعه لمدة طويلة , ولما جاء ميعاد إرسال مؤونة الأديرة قالت له أمرأته : " كيف تهتم بالكنائس والأديرة والفقراء والرب لا يحفظ لنا وحيدنا لنتمتع به " فوافقها وأمتنع ولم يقدم شيئاً ولم تتركه السماء فى حزنه الشديد فظهر الأنبا أنطونيوس أب الرهبان لزوجة المعلم أبراهيم وقال لها : " إعلمى يا إبنتى أن الرب أحب ولدك ونقله إليه شاباً لحكمة قصدها لحفظ أسم المعلم إبراهيم الجوهرى نقياً , وهذا خير جزاء من الرب لزوجك الذى يحبه الرب ليره وتقواه "
ولما أخبرها بهذا الكلام تركها وظهر للمعلم إبراهيم نفسه وكان نائماً فى مكان آخر فى المنزل وكرر عزاءه برسالته الإلهيه إلي إبراهيم الجوهرى بنفس الكلام الذى قاله لأمرأته كأن هذا تأكيداً وتوكيداً من الرب الإله نفسه .
وبعد فترة أستيقظت الزوجه وذهبت إلى زوجها تخبره بما رأت فى الحلم وإذا بزوجها يخبها بنفس ما قاله الأنبا أنطونيوس فخلعا ملابس الحزن ولبسا الملابس العادية ولكنهما تركا بيت ولدهما مقفول كما هو .
(5) حملة عسكرية عثمانية من الأسيتانة
وكان أبراهيم بك ومراد بك أمير الحج قد عصيا على الأسيتانة ولم يعترفا بالباشا الذى ارسله السلطان العثمانى وحكما مصر فأرسل السلطان جيشاً بقيادة حسن باشا قفطان (قبطان) سنة 1199 هـ فقاتل كل من أبراهيم بك ومراد بك وإنهزما منه فهربا إلى الصعيد وهرب معهما إبراهيم جوهرى وبعض الأمراء والكتاب ودخل حسن باشا إلى القاهرة ونهب بيوت الأمراء والمماليك وإضطهد المسيحيين ومنعهم من ركوب الدواب المطهمة , ومن إستخدام المسلمين لبيوتهم , ومن شراء الجوارى والعبيد , وألزمهم بشد الحزمة (الزنار) وتسلط عامة المسلمين والغوغاء عليهم وإختفى القباط فى بيوتهم اياماً .
وأرسل حسن باشا فى طلب قاضى القضاة وأمره ان يحصى تركة إبراهيم الجوهرى وما أوقفه على الكنائس والأديره من املاك وأطيان وبسبب هذه الأوامر إضطرت زوجة إبراهيم الجوهرى إلى الإختفاء وإختفت زوجة المعلم إبراهيم فى بيت أحد أصدقائه وأسمه حسن اغا , ووشى بها أحد ناكروا الجميل والإحسان من الأشرار وأحضرها حسن باشا امامه وأجبرها على الإعتراف بكل ممتلكات زوجها فنهبها بما فيه بيت أبنها المتوفى يوسف أبن ابراهيم الجوهرى فأخرجوا منها أمتعة وأوانى ذهب وفضة وسروج وغيرها وبيعت بأثمان عالية وقد أستغرق بيعها فى المزاد اياما لكثرتها الذى ظل مقفولاً بعد موته وأفرج عنها وكانت فى رعب وخوف عظيمين لأنها لم تتعرض فى حياتها مع زوجها فى مثل هذا الموقف .
وأمر حسن باشا قاضى القضاة إحصاء ما أوقفه المعلم أبراهيم الجوهرى على الكنائس والديرة من اطيان واملاك وغير ذلك , ورأى قاضى القضاة أن حسن باشا يريد المال فقط فإستدعى إليه المعلم أبراهيم الذى صالحه على مبلغ كبير من المال , فأصدر حسن باشا بالأمان للنصارى وعدم التعرض لهم بمكروه , ولكن عادت عساكر السلطان العثمانى بالخطف وطلبوا من الأقباط غرامات كبيرة قدرها 75 ألف ريال نقرة وأمروا بأحصاء دورهم وأملاكهم وقرروا عليهم أجره تدفلخزينة السلطان وأخيراً أستقروا على غرامة أخرى قدرها 50 ألف كيس (4) , فضاقت الدنيا على الأقباط وباع كل واحد ما عنده من غالى ورخيص وأضطروا إلى بيع ملابسهم الخاصة , كما قرروا على كل شخص أن يدفع مبلغ دينار بلا فرق بين غنى وفقير , هذا خلاف ماالجزية والضرائب الفادحة على المنازل , وذهب المسلمين غلى الديرة وأخذوا كل ما وجدوه فيها , وقبض على المعلم واصف أحد كبار القبط ورئيس الحسابات فى مصر فجلده وحبسه وطالبه بالأموال , وكان المعلم واصف كاتباً حاسباً عاقلاً حاد الذهن وقاد الذاكرة وكان يعرف اللغة التركية حق المعرفة
ولما أستمر حسن باشا فى طغيانه أستدعى إلى الأسيتانه وما أن بارح مصر حتى عاد إبراهيم بك ومراد بك إلى القاهرة ودخلاها بسهوله فى 7 أغسطس سنة 1791م وحكما البلاد كما كانا وبعودتهما عادت السلطه إلى إبراهيم جوهرى كرئيس المباشرين (رئيس الكتبه يعادل رئيس الوزراء اليوم) مستأنفاً عمله كما كان من قبل معهما ومارس عمله الخيرى مع الفقراء والمساكين وبناء الكنائس وتعميرها .
(6) من الذى اطلق على المعلم أبراهيم الجوهرى سلطان مصر
يقول السنكسار القبطى : " وقد اطلق عليه الناس لقب "سلطان الأقباط" كما دل على ذلك نقش قديم على حجاب احد هياكل كنائس دير الأنبا بولا بالجبل الشرقى , والكتابة المدونة على القطمارس المحفوظ فى هذا الدير أيضاً "
(7) وكان يعد الولائم الكبيرة للفقراء والمساكين والأرامل والأيتام , وذات مرة شعر أن خدمه قصروا فى إستكمال ما يجب وإستهانوا بالفقراء , وكنت الوليمة التى أقامها فى كنيسة السيدة بربارة بمصر القديمة فوبخهم توبيخاً شديداً قائلاً لهم : " إن هؤلاء الفقراء ضعفاء فيجب علينا أن نواسيهم ونطيب ونجبر خواطرهم الكسيرة ببعض ما نملك من نعم الرب , ومخلصنا لم يأمرنا بالإهتمام بالأغنياء بل بالمساكين الذين ليس لهم طاقة فى أيديهم أن يكافئونا عما نعمله من الخير لكى يتولى هو مكافأتنا بالأجر السمائى فى اليوم الأخير "
إبراهيم جوهرى يستصدر فتوى من الشيوخ بالسماح بإعادة بناء الكنائس
كانت كل محبة المعلم إبراهيم جوهرى هو تعمير الكنائس وألأديرة وإصلاح ما دمرته يد الظلم ألإسلامى , وبواسطة نفوذه الحكومى , وما له من أيادى بيضاء على الحكام المسلمين , تمكن من إستصدار الفتاوى الشرعية بالسماح للأقباط بإعادة ما تهدم من الكنائس والأديرة , وأوقف الأملاك الكثيرة والأراضى والأموال لأصلاح ما خرب منها , وقد بلغت حجج الأملاك 238 حجة مدونة فى كشف قديم محفوظ بالدار البطريركية .
وذكر نيافة الأنبا متاؤس (8) أن : " هذه الوقفية من نسختين بخطين مختلفين ممضيتين بتوقيعهما وختميهما - فينطق ختم المعلم إبراهيم جوهرى : " ياقاضى الحاجات وكافى المهمات ؛ إبراهيم الجوهرى"
فينطق ختم المعلم جرجس جوهرى : " ولو لم يقرأ هنا " ... عبده جرجس جوهرى
وعلى إحدى الوقفيتين التأشير من غبطة الأب البطريرك الحالى للمتنيح القمص تادرس مينا أنظر صورة التوقيعات والأختام للوقفيات على الجانب .
وفى الجانب صورة من إحدى وقفياته منقولة من كتاب نوابغ الأقباط ص 273
وذكرت المؤرخة أيريس حبيب المصرى (9) عن أمر خطاب موجود كتبه المعلم أبراهيم جوهرى (باللغة التركية) أرسل إلى السلطان لأثبات حق دير شعران بعد أن أوضح موقع الدير وألفدنة التابعة له المطلوب الكشف عليها وهذه صورته " أمضاء السلطان محمود - رزقة دير شعران بموجب تربيع سنة 933 بناحية معصرة دير شعران بولاية الأطفيحية (خط ديوانى تركى) 12 فداناً و 12 قيراطاً - القبلى ينتهى إلى المعصرة المعروفة قديما بطوغان - البحرى إلى الطريق الموصل إلى المعصرة - الشرقى إلى الترعة الدايرة من ديوان الجيشى - الغربى إلى البحر الأعظم - بتاريخ 31/ سنة 1214 م
إن حجة الرزقة المذكورة 12 فدانا ونصف فدان مستخرجة من الدفتر المقيد به كالمبين أعلاه , وذلك طبقاً لما هو موجود فى تقرير حجة النظارة ناظر الدير المذكور وهذه صورة طبق الصل صار تحريرها , والأمر والفرمان لمن يهمة الأمر . صاحب الدولة والسعادة سلطانى .. أدام الله بقائه .
الداعى لتقديمه هو أنه لدير شعران الكائن بالقرية المسماة بهذا الأسم التابعة للمعصرة بولاية الأطفيحية بمصر أطيانا صالحة للزراعة مساحتها 12 فداناً ونصف فدان .
وحيث أنه يقتضى الكشف على أطيان هذه الرزقة فالمرجوا من الحضرة السلطانية التكرم بأمر التأشير على كشف الدير المذكور من محل الإختصاص بما يطابق تقرير الحجة الموجودة تحت يد ناظر الدير المذكور .
والأمر موكول للحضرة السلطانية أفندم ............. غبدكم معلم إبراهيم جوهرى
ويعلق المؤرخ كامل صالح نخلة (10) قائلاً : " كان المعلم إبراهيم جوهرى رئيساً لكتاب القطر المصرى فى عهد إبراهيم بك شيخ البلد , وهذه الوظيفة كانت أكبر وظيفة حكومية فى ذلك الوقت , ولما أرتفع مقامه فى الحكومة أستثمر محبته فى نفوس الولاة ورجال القضاء الشرعى فأستصدر الفتاوى بترميم ما تهدم من الكنائس والأديرة , وكان ينفق على هذه الترميمات والتعميرات من ماله الخاص "
نور لا يموت , وقنديل لا يطفئ
وتقول المؤرخه أيرس حبيب المصرى (11) : " أنه حدث سنة 1942 م أن أرادت جمعية أسمها " جمعية للسيدات القبطية لتربية الطفولة " أن تحصل على أذن من المجلس الملى العام ببناء مدرسة على أرض فسيحة تقع ما بين كنيسة السيدة العذراء - قصرية الريحان - وكنيسة مار جرجس بمصر العتيقة , وقد حصلت على الأذن فعلاً , وقد تبين لها أن الأرض من الأوقاف التى وهبها أبراهيم الجوهرى للكنيسة , وقد جاء فى حجة الوقف تعبير رائع عن وجوب أستمرار العطية وهو : " نور لا يموت , وقنديل لا يطفئ "
تفسير ليوحنا ذهبى الفم
وقال نيافة الأنبا متاؤس (12) : " وقد اطلعنى غبطة البابا على نسخة بالليقة الذهبية والفضية والخط الجميل من تفاسير ليوحنا ذهبى الفم فى مكتبته الخاصة المهمة وقال أن البطريرك والمعلم إبراهيم جوهرى وأخاه إهتموا بجمع تفاسيره ومؤلفاته التى لما بحثوا عنها فى جميع الأديرة ولم يجدوها أضطروا لأن يحضروا مترجماً عالماً باليونانية والعربية "
كيف حصل إبراهيم جوهرى على إذن إقامة الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية :
وكان الحصول على ترخيص ببناء كنيسة أو أن يقوموا بإصلاح وترميم ما تهدم من الكنائس القديمة فى زمنه أمراً غاية فى الصعوبة من الهيئة الحاكمة , وحدث أن إحدى الميرات جائت من الأسيتانة إلى مصر لقضاء مناسك الحج , فإهتم المعلم إبراهيم بأمرها وأدى ما تريده من خدمات وواجبات لراحتها على أكمل وجه كما قدم لها الهدايا النفيسة إليها , فأرادت مكافئته وإظهار أسمه لدى السلطان فإلتمس منها السعى فى إصدار فرمان (أمراً) سلطانى بالترخيص له ببناء كنيسة بالأزبكية , حيث يوجد محل سكنه , كما قدم لها بعض الطلبات الأخرى الخاصة بالأكليروس , فأصدر السلطان أمراً بذلك , وإلتمس منها أشياء أخرى منها رفع الجزية عن الرهبان وأشياء أخرى , وبعد ذلك أشترى المعلم إبراهيم جوهرى محلات وهدمها وبدأ البناء فيها ووضع الأساسات فى قطعة كبيرة من الأرض التى إمتلكها ولكن عاجلته المنية قبل الشروع فى بناء الكنيسة فأتمها أخوه المعلم جرجس الجوهرى وأصبحت المقر الباباوى حينما قرر البابا مرقس الثامن (1796 م - 1809 م) أن تصبح هذه الكاتدرائية الكبرى المرقسية الكبرى بالأزبكية وبنى بجوارها المقر الباباوى وكانت قبلاً فى كنيسة العذراء المغيثة بحارة الروم ,
وفى يوم الأحد 5 توت سنة 1517 للشهداء التى توافق 1800م قام البابا مرقس الثامن بتدشين الكنيسة المرقسية الكبرى فى الأزبكية ومعه ومعه جمع من الآباء الأساقفة والكهنة والشعب ,
المعلم إبراهيم جوهرى أنشأ كنيسة خاصة بالموظفين قبل الذهاب إلى أعمالهم
وحدث أن المعلم إبراهيم جوهرى كان يوماً يصلى فى كنيسة أبى سيفين بحارة زويلة فأرسل شخصاً إلى القمص إبراهيم عصفور كاهن كنيسة القلاية (المقر الباباوى) يقول له : المعلم إبراهيم يطلب منك الإسراع فى الصلاة ليتمكن من اللحاق لعمله " فرد عليه القمص بصوت مسموع : " المعلم فى السماء والكنيسة للرب وليست لأحد فإن لم يعجبه فليبن كنيسة أخرى "
وبدلا من أن يغيظه هذا الكلام سر منه وأبتهج وقام المعلم إبراهيم جوهرى بإنشاء كنيسة صغرى بأسم الشهيد مرقوريوس أبى سيفين بجوار كنيسة العذراء الكبرى بحارة زويلة , وخصصت الكنيسة الصغرى للموظفين الذين يعملون فى الحكومة من حضور القداس معه فيها , بما يتفق ومواعيد العمل فى مصالحهم وكان ميعاد القداس مبكراً يوم الأحد وبعد بنائها قال له القمص : " أسجد للرب شاكراً الذى وجه غضبك لبناء كنيسة أخرى فزادت بها ميزان حسناتك وكنت أنا السبب " .
وباب هذه الكنيسة من الناحية البحرية وبابها فى الخورس الأخير من صحن كنيسة العذراء , وتوجد لوحه صغيرة على بابها مكتوب ما يلى :-
كنيسة الشهيد العظيم مرقوريوس أبى سيفين
أنشأها طيب الذكر المرحوم المعلم إبراهيم جوهرى
سنة 1490 ش 1774 م
فى عهد خالد الذكر البابا يؤنس البطريرك 107
مساحة صحن الكنيسة 13,5 م من بحرى إلى قبلى - 8 م من غرب إلى شرق حتى حجاب الهيكل , وفى صحن الكنيسة 7 أعمدة رخامية تيجانها متقنه الصنع جميلة الشكل , كما يوجد أنبل خشبى صغير يقع فى الوسط من الناحية البحرية , وموضوع فاصل خشبى ليفصل بين الرجال والسيدات يبدأ من جوار الأنبل أثناء الصلاة بالكنيسة.
وكما كان سقف الكنائس القديمة فى العادة من الخشب بنيت سقف هذه الكنيسة على هيئة نصف برميل مستطيل من الطراز البازيليكى أما هيكل الكنيسة فبنى عليه قبة مستديرة .
وزينت الكنيسة بالقناديل والأيقونات الأثرية الجميلة , وعلى شمال الهيكل معمودية أثرية ثمينة رخامية جميلة .
أما حجاب الهيكل فهو من الخشب المخروط المعشق ومطعم بصلبان يدخلها نقوش من العاج جميلة .
وفى داخل الهيكل المذبح مقام على أربع أعمدة رخامية صغيرة ويعلوا المذبح الرخامى قبة من الخشب مقامة على أربع أعمدة من الرخام .
أما فى شرق الهيكل غطى جزء من حوائطة مغطى بالرخام الجميل , وبالهيكل باب صغير يؤدى إلى المعمودية يستعمل لتناول السيدات , وما زالت تقام الصلوات فى هذه الكنيسة حتى الآن .
تجهيز وإعداد الميرون
وقام بتجهيز أصناف الميرون ومواده على حسابه الخاص وأرسلها بصحبة أخيه المعلم جرجس للبابا البطريرك يؤنس الثامن بالقلاية البطريركية بحارة الروم .
مقصورة الشهيد مارمينا بكنيسة مارمينا بفم الخليج
وقدم إبراهيم جوهرى مقصورة ضخمة فخمة لكنيسة الشهيد مارمينا بفم الخليج لكى يحفظ فيها جسده الشهيد وبأعلاه أيقونه جميلة للشهيد مارمينا وكتوب عليها بالخط البارز : " أذكر يارب المهتم بهذه المقصورة المعلم إبراهيم جوهرى " كما توجد فى نفس الكنيسة بعض الأيقونات التى قدمها وكتوب عليها أسمه وتعتبر اثرية اليوم .
بناءه للسور البحرى فى دير الأنبا أنطونيوس.. فى سنة 1499ش التى توافق 1782 م بنى المعلم إبراهيم جوهرى السور البحرى كله وفى سنة 1783 م حفر ساقية فى دير الأنبا أنطونيوس وبعد أن أنهى ببناء هذا السور من القبلى والغربى فى سنة 1498 ش , وما زال هذا السور يعرف بأسم سور الجوهرى .
وكان الآباء الرهبان يستخدمون هذه الساقية فى إدخال الزوار وإحتياجاتهم إلى داخل الدير , أما الآن فقد بطل إستعمال الساقية بعد أن فتحوا باباً كبيراً فى السور ولكنها ما زالت موجودة كأثرا تجذب قصة أنشاءها وطريقة عملها وأغراض إستخدامها زوار الدير من الأقباط والأجانب .
وفى سنة 1508 ش التى توافق 1792 م جدد مبانى كنيسة العذراء المغيثة بحارة الروم .
كما شيد كنيسة الشهيد أبى سيفين بدير الأنبا بولا فى الجبل الشرقى وما زالت هذه الكنيسة قائمة حتى هذا اليوم فوق كنيسة القديس الأنبا بولا .
وقام بتشييد كنيسة فى دير البراموس على أسم أنبا ابللو والأنبا أبيب ( ولكنها هدمت فى سنة 1881 م لتوسيع كنيسة مار يوحنا ) .. قام ببناء قصر السيدة فى دير البراموس .. ,
أضاف إلى دير البراموس خارجه من الجهة القبلية , وبنى حولها سوراً وبلغت مساحتها 2400 متراً مربعاً .
وفى سنة 1773 م شيد المعلم إبراهيم جوهرى فى دير القديس مكاريوس كنيسة بأسم 49 شهيداً شيوخ برية شهيت فى الناحية الغربية من الدير, وبنى فى داخل الكنيسة مقبرة للشيوخ الشهداء ونقلت أجسادهم من المغارة التى كانوا فيها خارج الدير , وبنى فى الناحية الشرقية من الكنيسة منارة صغيرة مخصصة للجرس تميزت شكل بنائها بالطراز القبطى الصميم .
وفى دير السريان بنى أبراهيم جوهرى سوراً عال من الناحية الغربية وتقع هذه الأرض غرب الحصن وكانت هذه الأرض تسمى ( الحطابة) لأنه كان يوضع فيها الحطب اللازم للمطبخ والمخبز - كما كان فى الأرض الذى أحاطها طافوس الدير أى المقبرة التى يدفن فيها ألاباء من الرهبان بعد نياحتهم وبنى قصر آخر فى السريان .
وقال الأمير عمر طوسون (13) : " يوجد بدير السريان مخطوط تكريس الكنائس باللغة القبطية فقط مكتوب بأدلة : عمارة الأديرة بمعرفة المعلم إبراهيم جوهرى سنة 1498 ش 1782 كانت عمارة فى الديرة من المعلم إبراهيم جوهرى وبنيت كنيسة مستجدة على إسم القديسين أنبا أبوللو وأنبا أبيب فى دير البراموس كما بنى قصر دير البراموس وقصر دير السريان على يد كاتبه أنبا يوساب أسقف أورشليم ورياسة القمص منقريوس "
" كنيسة الملاك ميخائيل بالقصر القديم بدير السريان بناها المعلم إبراهيم حوهرى بعد تجديد ما تهدم من ذلك القصر وكذلك دير براموس سنة 1782 م بحضور الأنبا يوساب أسقف القيامة (أورشليم) الذى كان مشرفاً على العمارة بدير السريان , وكان قد حدث أن رهباتن دير البراموس توجهوا إلى المعلم إبراهيم جوهرى وأعلموا أن القصر الثديم قد تهدم وطلبوا منه أم يهتم بترميمه فقبل طلبهم بفرح وكلب من الأنبا يوساب أسقف القيامة أن يشرف على هذا العمل وأعطاه المال اللازم والغلال وكل الإحتياجات , فتوجه الأنبا يوساب ومعه البناؤون والفعلة إلى الدير ومكثوا به خمسة أشهر وأصلحوا ما تهدم من القصر وبنو فيه كنيسة على أسم الملاك ميخائيل كعادة باقى الأديرة , ثم أرسل الأنبا يوساب إلى المعلم إبراهيم جوهرى يبدى رغبته فى بناء كنيسة بالدير على أسم القديسين أبيب وأبوللو حيث لهما مقبرة هناك فأرسل له المعلم إبراهيم يبدى سروره وموافقته على ذلك , فبنيت الكنيسة وكرزها الأنبا يوساب فى 30 أمشير سنة 1489 ش التى توافق 1773 م . "
وفى دير الأنبا بيشوى رمم وجدد المعلم أبراهيم جوهرى كنيسة الملاك ميخائيا بأعلى القصر القديم ( الحصن) , وموجود بأعلى هيكل الكنيسة كتابة مسجل عليها أن المهتم بترميمها هو المعلم إبراهيم جوهرى سنة 1498 ش التى توافق 1782 م
ولم نتمكن من حصر الكنائس الكثيرة التى عمرها فى البرارى وببناء الأديرة وإهتمامه بالرهبان الساكنين فيها , كما فرق القرابين , والشموع والزيت والستور وغيرها من الإحتياجات وما زالت بعض خطابات المعلم إبراهيم جوهرى المرسلة مع هذه الأشياء وإحتياجات الأديرة محفوظة بمكتبات الأديرة , ومسجل فى هذه الخطابات أصناف وكميات المواد المرسلة وفيها يطلب صلواتهم , وأسفل هذه الرسائل توقيع المعلم إبراهيم جوهرى وختمه بخاتمه وما زال حتى هذا اليوم كمية من الترمس بقايا الترمس الذى أرسله المعلم إبراهيم جوهرى .
وكتب الكنيسة على كل كنيسة فى القطر المصرى لدرجه ان السنكسار ذكر (14) أنه اشتهر بنسخ الكتب النادرة وإهدائها إلى جميع الكنائس والأديرة , فلا تكاد تخلو كنيسة من كتبه وآثاره
والصورة الجانبية لأثر من آثاره موجود فى المتحف القبطى بمصر الرقم: 4144 - الاسم: نص المعلم جرجس أبو جوهرى
التاريخ: القرن18 - المصدر:دير الملاك القبلى – مصر القديمة - المادة: ورق نباتى - الوصف: درج يتكون من عدة أجزاء يحتوى تذكية الأنبا يوحنا البطريرك المائة والسبع لتعيين المعلم جرجس أبو جوهرى ناظر على دير الملاك القبلى بمصر القديمة مؤرخ في سنة 1489 للشهداء 1773
كن لليتامى كأب ولأمهم كأنك رجلها , فتكون كإبن العلى وهو يحبك أكثر مماتحبك أمك (حكمة سيراخ 4: 10)
وقام إبراهيم جوهرى بتوزيع الصدقات للفقراء والمساكين فى كل مكان , وإهتم بإطعامهم وكسوتهم , كما أهتم أيضاً بالأرامل والأيتام الذين ليس لهم من يهتم بهم , ورتب لهم فى كل شهر من يقوم بإعطائهم ما يقتاتون به وذلك حسب ما شهد له الأنبا يوساب أبن الأبح أسقف جرجا وأخميم فقال : " إنه كان أعظم أهل زمانه , وكان محباً للرب يوزع كل ما يقتنيه على الفقراء والمساكين , كان مهتماً بعمارة الكنائس , وكان محباً لكافة الطوائف , يسالم الكل ويحب الجميع ويقضى حوائج الكافة ولا يميز أحداً عن الاخر .
نيـــاحته
وبعد أربع سنوات من رجوعه إلى وظيفته وفى يوم الأثنين 25 من بشنس سنة 1511ش التى توافق 31 مايو 1795 م التى كانت ثانى يوم عيد دخول السيد المسيح إلى أرض مصر رقد فى الرب وإنضم إلى آباء الكنيسة الأبرار , وقد قامت الكنيسة القبطية بتدوين اسم المعلم إبراهيم جوهرى فى السنكسار الذى يقرأ على الشعب تحت يوم 25 من شهر بشنس , وأشار السنكسار إلى أخيه المعلم جرجس جوهرى وسيرته مدونه تحت اليوم 17 من شهر توت .
المدفنة :
شيد لإبراهيم جوهرى مقبرة لنفسة ولعائلته بجوار كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بدر التقا بمصر القديمة كعادة الأقباط فى الإهتمام بآخرتهم وقد أوقف على مقبرته أملاك خاصة للصرف على هذه المقبرة والعناية بها , وقد دفن أخيه بنفس المقبرة أخيه المعلم جرجس جوهرى .. واليوم ما زالت هذه المقبرة باقية حتى ألان (15) , وقد أهتمت جمعية نهضة الكنائس مشكورة بترميم وتجديد هذه المقبرة حتى تليق بكرامة هذين القديسين الكبيرين وحتى يبقيا للأجيال القادمة ذكرى عظيمين من عظماء القبط , وقد تم هذا التجديد فى عهد البابا يؤنس 19 وأحتفل بإنتهاء الترميم والتجديد رسمياً يوم الخميس 2 مايو 1938 م وقد حضر قداسة البابا هذا الحفل , وقامت الجمعية بإحياء ذكراهما بإقامة قداساً سنوياً على هذه المقبرة على روح الأرخنين العظيمين إبراهيم الجوهرى وجرجس الجوهرى ..
وهناك رخامة كبيرة طولها 150 سم وعرضها 85 سم يعلوها صليب داخل دائرة ومكتوب تحته باللغة العربية
الصديق لذكر أبدى
إبراهيم جوهرى معلم مصر
توفى سنة 1511 قبطية 1795 مسيحية
جرجس جوهرى معلم مصر
توفى سنة 1527 قبطية 1810 مسيحية
رثــــاء المعاصرين له وإعجابهم بشخصيته
وأسف لوفاته حاكم مصر إبراهيم بك لأنه كان يحبه لإخلاصة وأمانته فسار فى جنازته تقديراً لصداقته له .
ورثاة الأسقف الجرجاوى (16) فى ذلك الوقت بمرثاة مؤثرة قال فيها : " فياله من أضطراب عظيم صار فى كورة مصر بل فى كافة الأقطار المصرية ناح الشيوخ , وبكى الشبان , ولول العربان , كان القاضى يبكى , والكهنة يرفعون أصواتهم بالعويل , تعالوا يا كل الأرامل وأبكين على رجلكن الذى كان يهتم لكن بالطعام والكساء , أجتمعوا يا كل الفقراء والمساكين وأبكوا على من كان يباشر أحوالكم كل حين , نــوحوا وأبكوا أيها الرهبان سكان البرارى على من كان يفتقد أحوالكم دائماً , إجتمعوا ونوحوا أيها الكهنة خدام الرب وألبسوا مسوحاً على من كان يفتقد الكنائس دائماً بالتقدمات والمحرقات والقرابين , نوحوا وأبكوا يا خدام بيت الرب على من كان يقدم لكم كل إحتياجاتكم , وبالأكثر كان النوح العظيم عند الأب الكبير البابا يؤنس البطريرك على ابنه الحبيب البار الصديق أعنى المعلم إبراهيم الجوهرى "
ورثاه الأنبا يوساب بن الأبح أسقف جرجا (17) أيضاً : " إنه صار عيناً للأعمى ورجلاً للأعرج وزوجاً للأرملة ورئيساً مهتماً بكافة الأديرة ومديراً أميناً لكل الكنائس , ولم يخز ذز ذلك البار الأرخن إذ قال مع أيوب الصديق : " أنى نجيت المسكين الصارخ واليتيم الذى ليس له معين , وبركة الضعيف كانت دائماً على , وقلب الأرملة قد فرحته ولبست الجق والعدل كالثوب وجعلته على رأسى كأكليل .. " ولم يفكر قط أن يميز واحداً عن آخر فى قضاء الحق , ولم يكن عنده لا شعوبى ولا يونانى ولا عجمى ولا يهودى ولا يومى ولا قبطى , ولكنها كلها خليقة الرب .. "
وقال المؤرخ الشهير عبد الرحمن الجبرتى عن إبراهيم جوهرى : فى شهر ذى القعدة سنة 1209 هـ - 1795 م - 1511 ش مات الذمي المعلم ابراهيم الجوهري رئيس الكتبة الأقباط بمصر وأدرك في هذه الدولة بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظم الصيت والشهرة مع طول المدة بمصر ما لم يسبق لمثله من أبناء جنسه (من الأقباط) فيما نعلم وأول ظهوره من أيام المعلم رزق كاتب علي بك الكبير ولما مات علي بك والمعلم رزق ظهر أمر المترجم ونما ذكره في أيام محمد بك فلما انقضت أيام محمد بك وترأس ابراهيم بك قلده جميع الأمور فكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات (أى المتصرف فى كل شئ ويرجع إليه فى كبير الأمور وصغيرها) حتى دفاتر الروزنامة والميري وجميع الإيراد والمنصرف وجميع الكتبة والصيارف من تحت يده وإشارته وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يعزب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور ويداري كل إنسان بما يليق به من المداراة ويحابي ويهادي ويواسي ويفعل ما يوجب انجذاب القلوب والمحبة ويهادي ويبعث الهدايا العظيمة والشموع الى بيوت الأمراء وعند دخول رمضان يرسل الى غالب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا والأرز والسكر والكساوي وعمرت في أيامه الكنائس وديور النصارى وأوقف عليها الأوقاف الجليلة والأطيان ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدارة والغلال وحزن ابراهيم بك لموته وخرج في ذلك اليوم الى قصر العيني حتى شاهد جنازته وهم ذاهبون به الى المقبرة وتأسف على فقده تأسفًا زائد وكان ذلك في شهر القعدة من السنة.
لم يكن يعتبر مالكاً لأمواله بل وكيلاً أميناً - أمواله أموال الرب(10)
1- أعطى لفقير 18 مرة فى يوم واحد
عرف فقيراً أن إبراهيم جوهرى لا يسمع سائلاً يسأله شيئاً إذا سمع إسم المسيح إلا ويعطيه ولا يخيب قصده فيعطيه صدقة فأحب هذا النسان أن يختبر صبره .. فسألأه صدقة على أسم المسيح فأعطاه , ثم دخل منزله وخرج فسأله الفقير فأعطاه , وتوجه إبراهيم إلى مكان عمله فسأله الفقير فأعطاه , وأثناء دخوله إلى الديوان طلب منه فأعطاه , وإنتظر الفقير لحين خروجه ظهراً من الديوان وسأله فأعطاه , ثم أسرع ولحق به قبل أن يدخل منزله لتناول الغذاء فطلب منه فأعطاه , وعند رجوعه بعد الظهر إلى عمله أنتظره على باب منزله وأخذ منه , وسبقه إلى مدخل الديوان فأعطاه وعند رجوعه إلى المنزل ....
وهكذا أستمر الفقير يسأله وكان يقصد أن يتعرف عليه إبراهيم جوهرى ويقول له إنه هو الذى أخذ منه منذ قليل ولكن إبراهيم لم ينطقها من فمه لأنه يظن خيراً دائماً أى أنه يظن أنه فقير ويحتاج ويفعل هذا الأمر لشدة إحتياجه , أما الفقير الذى كان يمتحن صبره , وأذهله ما رأى من محبة إبراهيم للفقراء وأذاع أنه طلب منه 18 مرة وكان يعطيه ببشاشة دون ضيق وهنا صرخ الفقير بصوت عظيم قائلاً لأبراهيم : " طوباك يا جوهرى .. الرب معك " فقال له إبراهيم دليل على أنه يعرف أنه طلب منه كثيراً : " لا تتعجب فهذا مال الرب يسوع , والذى أودعه عندى كريم ويحب العطاء , وأنا مدين له بكل هذا فهل أتأخر عن السداد , ما أنا إلا وكيل على هذا المال فليتمتع المؤمنون بهذا المال لأنه مال الآب أبيهم لأن الناس اخوة "
2 - يدبر عملاً لرجل فيعتذر لأن آخر أحق منه فيدبر لهما عملين
وصله ذات مره أن رجلاً فصل من عمله وضاقت به الحال , فأرسل فى طلبه ليلحقة بأحدى الوظائف , ولما جاء هذا الرجل الطيب قل للمعلم إبراهيم الجوهرى : " إن فلاناً أحق منى بهذه الوظيفة لأنه قد مضى فى فصله سبعة أشهر كاملة , وليس عنده ما ينفق منه على بيته وأسرته وأنا قد مضى على فصلى 6 أشهر فقط وعندى بعض المال أتعايش منه , فهو أحوج منى لهذه الوظيفة , ففرح المعلم إبراهيم بشهامة الرجل وتقواه ومحبته , وأوجد عملاً للأثنين معاً .
3 - الفقير والأوزة الميتة
حدث أنه كان فى أحد الأيام يصلى فى كنيسة العذراء بابلون الدرج بمصر القديمة , وكان يوم رفاع أحد الأصوام , وبعد أنتهاء القداس وإنصراف الناس لاحظ المعلم إبراهيم أن رجلاً صعد على تل عال بجوار الكنيسة , فأرسل خادمة خلفه ليرى ماذا يفعل , فأخذ الرجل يبحث حتى وجد أوزة ميته فأخذها وأخفاها فى ملابسة وهم بالنزول غلأى بيته , فأسرع الخادم وروى للمعلم إبراهيم ما رآه , فإنتظر حتى نزل الرجل , فأخذ يستفسر منه عن أحواله وكأنه لا يعرف ما حدث , واما كاشفه الرجل بفقره وإحتياجاته , عاتبه المعلم فى حنو على عدم لجوئه إليه فى مثل هذه الظروف قم صرفه غلى بيته بعد أن أوصاه إلا يكتم عنه شيئاً بعد ذلك , ثم أرسل وراءه الخادم ومعه كل ما يلزمه .
4 - سباق فى فعل الخير وعتاب المحبة
فى ليلة العيد ذهبت إمرأة وأولادها باكية إلى زوجة المعلم فانوس وقالت : " أن زوجها فى السجن " فقامت هذه المرأة الفاضلة بإرسال خادم يحمل كل ما يلزم للعيد من طعام وملبس ووعدتهم أنه سيتم الإفراج عنه ليعيد معها ومع أولاده , وعندما عاد زوجها المعلم فانوس ليلاً بعد إنتهاء قداس العيد ووجد أمرأته حزينة فسألها عن سبب حزنها .. فأجابت : " إنه لا يليق بنا أن نفرح بالعيد وهناك عائلة مسيحية باكية لأن عائلها فى السجن , أرجوك أن تبذل كل جهدك للأفراج عنه الليلة حتى يفرحون معنا بالعيد "
نزل المعلم فانوس فى الليل وتوجه إلى الوالى وتوسط عن الرجل المسجون فتم الإفراج عنه وعاد إلى بيته فرحاً , ولكن أستغرق أمر الإفراج عنه معظم الليل رجع بعدها منهكاً خاصة انه لم يأكل (يفطر بعد صيامة إلا بعد أفرج عن السجين) وعندما عاد أكل ونام نوماً عميقاً .
ولم يستيقظ المعلم فانوس كعادته فى صباح العيد وتأخر فى نومه حتى وقت متأخر , وكان من عادة المعلم إبراهيم جوهرى أن ينتظر المعلم فانوس ويذهبا معاً وبصحبتهما وجهاء الأمة ليعيدا على البابا , ولما جاء المعلم فانوس متأخراً سأله عن سبب تأخيره فقص عليه قصة الرجل المسجون فعاتبه المعلم إبراهيم بشدة قائلاً : " كيف جاز لك أن تنفرد بهذا العمل المبارك وحدك ولا تشركنى معك " ثم قاما وذهب إلى قداسة البابا للمعايدة عليه , وفى جلسة المحبة التى إلتف فيها الأبناء حول ابيهم الروحى قص عليه إبراهيم القصة وهو متأثراً لأنه لم يفعل خيرا فى ليلة العيد , وفصل قداسة البابا فى خصومة المحبة هذه بطريقة ابوية حكيمة .. إذ فرح بالأثنين وبإجتهادهما فى السباق فى فعل الخير فقال للمعلم إبراهيم : " هو أخرجه من السجن وأنت أهتم بإرجاعه إلى وظيفته أو إيجاد له عمل ىخر " وفرح المعلم إبراهيم بهذا التكليف الباباوى الأبوى , وخرج الجميع من عند قاسة البابا متهللين فرحين بكلمات المحبة التى جعلت الأثنين ربحا فى حلبة سباق فعل الخير فى الحياة وأفرحت الحزين الذى كان حرم من فعل الخير وافرحته .
5 - إن جاع عدوك فإطعمه
نصت الشريعة الإسلامية على أن الذمى (كلمة تطلق على أهل الكتاب اليهود والمسيحيين) لا يجب أن يمتطى جوادا , وحدث أن المعلم جرجس شقيق المعلم إبراهيم جوهرى كان ممتطياً جواداً فى أحد شوارع القاهرة , فأهانه أحد المسلمين بكلام جارح وسبه , فتضايق المعلم جرجس وشكا لشقيقة المعلم إبراهيم الذى كان بيده الحكم فى البلاد أملاً فى أن يعاقب المسلم .. وأستفسر من أخيه عن الرجل وأجابه إجابه طيبت خاطره قائلاً له : " غداً سأقطع لسانه " وفى اليوم التالى أرسل المعلم إبراهيم خادمه حاملاً هدايا كثيرة من مأكولات وملابس وخلافه إلى بيت المسلم بدون علم اخيه .
ومر المعلم جرجس كعاته من نفس المكان مرة أخرى وإذا بالمسلم يقف إجلال له ورحب به ترحيباً شديداً داعياً له بالخير والصحة , فإنعقد لسان المعلم جرجس وفتح فاهه شاغرا غير مصدقاً من الدهشة لتحول المسلم فى سلوكه , وعندما قابل أخاه سأله على الفور عن سبب هذا التغيير فأخبره بما فعله فقال حقا لقد طبقت قول الرب يسوع : " فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». 21 لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.( روميه 12 : 20- 21)
6 - الرب يرسله بعد وفاته ليصنع صدقة
كان من عادة أحد الفقراء الذين يسكنون فى مكان بعيد ان يأتى إليه فى مواعيد معلومة ليأخذ منه صدقة , وحضر الفقير كعادته وسأل عن المعلم إبراهيم جوهرى فقالوا له لقد توفى فحزن جداً وإحتار فابى أن يرجع من حيث أتى حتى يذهب إلى مقبرة الرجل الذى أحسن إليه فى حياته حتى يزوره فى مماته ولما دلوه عليها ذهب إلى هناك وبكى كثيراً ومن تعب الطريق نام أمام مقبرته فتراءى له المعلم إبراهيم جوهرى وقال له : " لا تبك .. أنا لى فى ذمة فلان الفلانى الزيات فى بولاق عشرة بنادقة (عمله ذهبيه) إذهب وسلم عليه من قبلى وأطلبها منه وهو لا يتأخر عن دفعها لك " .. فظن الرجل أنه تهيئات وأطغاث أحلام , فبكى ثانية ونام أيضاً : " فتراءى له المعلم إبراهيم وقال : " قم واذهب ولا تشك فى ذلك " فإستيقظ الرجل وقال فى نفسه : " إذا ذهبت وطلبت الدين بدون حجة (مستند) ربما يظن بى ظناً سيئاً وتنالنى منه إهانة كثيرة " .. ثم نام للمرة الثالثة وتراءى له المعلم إبراهيم وقال له : " لا تقلق , قم وإذهب وسأخبره أنا بقدومك " فقام الرجل الفقير وتوجه إلى المكان الذى وصفه له المعلم إبراهيم ووجد الرجل الزيات ووجد الرجل كما وصفه فى الحلم , ولكنه لم يجرؤ أن يفاتح الزيات عن موضوع الدين وظل متحيراً , فرأه الزيات الرجل الفقير متحيراً , فقال له : " أخبرنى عن كل شئ ولا تخفى عنى ما حدث " فقال له الفقير : " أخاف أن أخبرك فتظن أنى مجنون " فأكد عليه الزيات أن يحكى له ما حدث فحكى له عن الرؤي المتتالية فقال الزيات بالحق نطقت , لقد ترائى لى المعلم إبراهيم أنا ايضاً وأنبأنى بمجيئك , فخذ ما فى ذمتى له وخذ مثلها منى وتعال إلى كما تعودت أن تذهب إلى المعلم إبراهيم فى حياته وترحما كلاهما على الرجل الكريم المعطاء , ورجع الرجل إلى قريته ليخبر كل من يقابله برحمة الرب معه فى ما فعله معه القديس إبراهيم جوهرى .
0 التعليقات:
إرسال تعليق