عصر الاستشهاد
ولما فتح الختم الثاني سمعت الحيوان الثاني قائلا هلم وانظر. 4 فخرج فرس آخر احمر وللجالس عليه أعطي ان ينزع السلام من الارض وان يقتل بعضهم بعضا وأعطي سيفا عظيما رؤ 6 :3 _ 4عجيب جدآ المسيح فى كل أعماله ,فالزمان تحت قدم الله ,فهو يمسك بنهايته قبل أن يبدء , وهذا واضح جدآ فى سفر رؤيا القديس يوحنا الحبيب .
فقبل ان يبدء تقويم عصر الاستشهاد بكل أحداثه قد سبق وكشف الروح فى سفر الرؤيا عن ,هذا العصر .فالختم الثانى والذى كان يظهر فيه فرس أحمر يشير الى الدم الذى سوف يسفك من ملايين الشهداء . وقد كان .
بداية عصر الاستشهاد:
كان عندما أشرقت شمش ذلك اليوم من شهر أغسطس سنة 110 م .على الطريق الصخرى الممتد من وسط جبال طوروس التى تربط بين أنطاكيا وأزمير بأسيا الصغرى ,وكانت جماعة مكونة من عشرة جنود رومانيون قساة أشد ما تكون القسوة ومربوط فى أيديهم شيخ وقور بلحية مسترسلة وكان فى شدة التعب من مشقة السفر والحر الشديد . ولكن كانت علامات الرجاء تشرق من كل وجهه اكثر من لامعان الشمس الحارقة فى ذلك الوقت .
وكان من قسوة الجنود والاحكام فى ذلك الوقت على الرغم من شدة الحرارة ومعانة السفر التى لا توصف , كان هذا الشيخ العجوز أيضا مكبل بالسلاسل الثقيلة التى يصعب حملها ... أنه القديس أغناطيوس أول أسقف على أنطاكية بعد القديس بطرس الرسول .
وكان فى طريقه الى الجلجثه مثل سيده عبر روما ليفتتح رسميآ عصر الاستشهاد فى الكنيسة ,ولم يكن مضى على استشهاد القديسين بطرس وبولس أكثر من خمسون سنه على الاقل فهم استشهدوا فى سنه 64 م.
وجاء الى مدينة أزمير فى ذلك الوقت أعداد فيرة من المؤمنين المحبين الى أسقفهم حتى يودعوا القديس اغناطيوس قبل أستشهاده .
ودخلت الوفود المدينة من الباب الجنوبى ,بنما دخل الجنود ومعهم القديس من الباب الشرقى .
وعند مشارف المدينة استقبلهم رهط كبير من المؤمنين وعلى رأسهم أسقفهم القديس بوليكاريوس , وبعد محاوله من التفاهم مع الجنود , سمحوا أن يفك القديس أغناطيوس من قيوده أمام أعينهم لفترة بسيطه ,.
والتأمت جماعة المؤمنين والاساقفة يتعانقون والدموع تسح من عيونهم سحآ , وأغناطيوس فى وسطهم شامخ فى هدوئه ورزانته .
وقد ظهر بين الجماعة الاسقف بوليبيوس وكان يداعب القديس أغناطيوس ويتوسل أن يسمح له أن يقلع معه ليشاركه النصيب الحسن !.. كما ظهر فى وسطهم أيضآ الاسقف أونسيموس أسقف أفسس ابن بولس الرسول الذى ولده فى قيوده , عتيق الحب الالهى والمدافع عن الايمان المسلم له من القديسين .
أما بوليكاربوس فقد ظهر متقدمآ عنهم فى السن ,الذى ينتظر بالروح نفس المصير المبارك.
وبدأ القديس أغناطيوس يتكلم عن شعوره ناحية الشهادة ,معتبرآ أن أكليل الشهادة هو كرامة الاسقف وعربون حريته الحقيقية فى المسيح , وعلامة تلمذته الفعلية للصليب ودالته الوحيدة لحب المسيح .
ولم تدم الاقامة فى ازمير طويلآ ففى نهاية شهر أغسطس كانت أقلعت به المركب صوب روما عبر ترواس ومرورآ بفيليبى التى منها ارسل رسائله السبعه لكل النواحى , وهى الرسائل التى حفظتها العناية الالهية حتى الان تحمل لنا أجمل ذكرى لافخر أيام فى تاريخ الاسقف .
وفى روما وعلى يد الامبراطور تراجان " 98 : 117 م " تقبل أغناطيوس نص استشهاده وكانت بالغة اللرومانية فيها الفاظ عن تعذيب والام وموت ووحوش لم يعبأ بفهمها أغناطيوس كثيرآ لان عينه كانتا مركزة على اورشاليم السمائية وملاقاة المسيح الحبيب.
وبعد لحظات سيقا القديس الى محفل التعذيب والاستشهاد , ولكن كانت روحه محلقه الى فوق حيث المسيح جالس ونس جسده بين انياب الوحوش والعذبات , وحصل أخيرآ على تاج الاستشهاد وصار بالامه الطوعية شاهدآ وشريكآ ومكملآ لا لام المسيح .....
وابتدآ رسميآ عصر الاستشهاد عنيفآ ودمويآ ومروعآ كما شاهده يوحنا الرسول فى سفر الرؤيا كحصان أحمر والجالس عليه أعطى له أن ينزع السلام ويقتل .
استمرار الاستشهاد حتى بداية القرن الرابع :
من أغناطيوس الشهيد حتى بكور القرن الرابع لم تكف موجات الاضطهاد العنيف والكرهية المرة التى كان يحركها الشيطان فى قلوب الاباطرة والقياصرة والحكام ضد الكنيسة , والتى كانت مثل مركب صغير فى بحر متلاطم تتقاذفها الامواج من كل جانب , غير أن شراعها السامق كان دائمآ يلامس السماء فكانت تتقوى سرآ ولم تقوا عليها أبواب الجحيم ....
وكان يموت كل يوم أعظم أساقفتها وأفخر رجالها ونسائها , أما هى فكانت تنمو وتزداد جدآ جدآ
البداية الفعلية لعصر الاستشهاد :
وما ان اعتلى دقلديانوس عرش الامبراطورية سنة 284م حتى دخلت الكنيسة محنتها الكبرى وقد أستعلن فرس سفر الرؤيا الدموى بوضوح ودخلت فعلآ الكنيسة تاريخها الامجد سنة 284م بدء التقويم القبطى للشهداء .
وقد نقل دقلديانوس عاصمة ملكه من روما الى نيقوميديا باسيا الصغرى (مكانها بالغرب من الاستانه الحديثة اليوم )
لكى يصد غارات الشرق ويتفرغ لمناوأة اعدائه , وأعطى أحد قواده المدعو مكسيميانوس لقب "أوغسطس" وولاه على كل الغرب وكانت ميلان بايطاليا عاصمته , وكانت له صلاحية الامبراطور , غير أنه ظل خاضع لدقلديانوس.
وأما فى الشرق فعين جاليريوس حاكمآ على سوريا ومصر وتلك النواحى وأعطاه لقب "قيصر " وكان جاليريوس عدوآ لدودآ للمسحيين .
وفى السنة الثامنة عشر لملك دقليديانوس بدأت خطه لابادة المسحيين , وبالتحديد فى يوم ثلاثه وعشرون من فبراير سنة 303 م خرجت الاوامر من قصر نيقوميديا بابادة المسحيين من على وجه الارض " كان الشيطان يعتقد بأنه بقتل المسيح سوف ينهى عليه ولكن ظهر له مسحاء كثيرين وظل يقتل فيهم حتى هذه الحظه ولم ينتهى المسيح "وقد اعطى لجاليريوس أن ينفذ خطة أبادة المسحيين فى الشرق .
وبدأت العاصفة بكاتدرائية نيقوميديا ذاتها ,فهدمت من أساسها وأحرقت محتوياتها ونهبت ذخائرها امام عينى الامبراطور وهو واقف على شرفة قصره .
وفى يوم 24 فبراير ارتفع المنشور على باب قصر الامبراطور يحمل أمرآ بهدم جميع الكنائس , وحرق جميع الاسفار , وتجريد الاساقفة وكل من هو فى رتبه كنيسية من كل الحقوق المدنية , أما عامة المسحيين من الشعب فترتفع عنهم حقوق الاحرار ويوضعوا فى رتبة العبيد !!..
وتقدم احد المسحيين الشجعان ومزق المنشور وداسه برجليه , وحالآ قبض عليه وحكم عليه بالحرق حيا وتم وهو فى منتهى الشجاع وقوة الله تملا قلبه .
وكان جالير يوس غير راضى عن منشور دقليديانوس لانه لم ينص صراحة على أعدام المسحيين ,حيث كان يرى دقليديانوس فى حرق الكنائس والاسفار وسجن الرؤساء وسيلة فعالة للانهاء عاى المسيحية , ولكن سرعان ما فلت زمام الامبراطور بسبب شجاعة ومقاومة الكنائس علنا ,فأصدر أمره بحرق المسحيين أحياء رجالآ مع نساء وأطفال دون تمييز.
الاضطهاد وصل الى الغرب ايضآ:
ولما بلغ مكسيميانوس امبراطور الغرب ما صنعه دقليديانوس فى الشرق ,أصدر هو الاخر أوامره لابادة المسحيين مبتدءآ بايطاليا ثم افريقيا .
وسرعان ما ظهرت بسالة المسحيين فى كل مكان شرقآ وغربآ الكل يعترف بالمسيح ابن الله دون حساب لائ شيئ , الاطفال قبل الكبار ,الامهات قبل الاباء ,وعجبآ كان الشعب يتقدم مسرعآ نحو الشهادة وأيضآ الاكليروس ,
الوف الوف يوميآ يتقدمون الى الاستشهاد .
الفلاحين البسطاء أظهروا من الشجاعه ما لم يظهره العلماء على مر كل التاريخ .حقآ صار المسيح فى نفوس هؤلاء حيآ بصورة مذهلة ولم يستطيع الشيطان بكل حيله وقوته فى هؤلاء الزعماء الجبابرة ,ان يطفئو نور الحياة التى للمسيح فى نفوس المسحيين ,وكثيرآ جدآ ما كانت الات التعذيب والهلاك ما كانت لاتقوى على قتل الحياة فى المسحيين,
وكان كل يوم يتفننون فى عمل وسائل تعذيب جديدة لعلها تفلح فى القضاء على مسيح هؤلاء البسطاء الاقوياء , ولم يستطيعوا ,بل كان عدد كبير جدآ من الشهداء يعذبون ويظن انهم ماتوا فعلآ ولكن الله كان يشفيهم امام اعينهم .من جديد.
وأظن أذا كتبنا الى ان تقوم الساعة من المستحيل تغطية بسالة وشجاعة هؤلاء الشهداء ومصر كان لها نصيب عظيم جدآ ففى كل قرية ومدينه الوف الوف من رفات الشهداء ذخيرة الكنيسة , وما قد لا نعلم عنه أظن اكثر جدآ . وسوف يظهر ذلك فى يوم مجيئ المسيح وهما معه على السحاب.
نهاية الجبابرة :
تكاثرت الاصوات الحزينه المنبعثة من الاشلاء المبعثرة فى ساحات الاستشهاد,وترددت أنات الشهداء فى قلب الامبراطور وتكدست صور المذبوحين فى ذاكرته , وقليلآ قليلآ لم يقوا الجبار على احتمال الموقف فخر مريضآ ,بدون سبب معروف لمرضه وحتى حمل على محفة سنة 304م .
واعتل عقل دقليديانوس وذبلت نفسه وسئمت روحه الحياة ,. ولكن الشيطان انتهز اخر فرصه لعله يقضى على المسيح والمسحيين ,أذا استغل جاليريوس مرض الامبراطور وأصدرمنشور وبدون علمه بانزال العقوبات على المسحيين , وعلى اجبار السعب على التبخير للالهة .
وكان كل من عذب وقتل بسبب هذا المنشور اكثر من كل ما سبق ,فكل ما يمكن ان يصنعه الشيطان ولم يفلح ان يصنعه مع دقليديانوس ,قد صنعه مع جاليريوس .
ولكن لم تدم طويلآ هذه الثورة الشيطانية ,فاعتزل دقليديانوس الحكم نهائيآ بسب المرض الشديد سنة 305 م وأجبر مكسيميانوس فى الغرب على الاستقالة .
وفى سنة 306 م دخل قسطنطين معترك السياسة ,فأعلن نفسه قيصر على بريطانيا .
وظل جاليريوس يحاول جاهدآ بتحريض من الشيطان الذى لم ينتهى أمله فى القضاء على المسيح وابنائه ,ولكنه لم يفلح قط ,وأخيرآ كلت يده ايضآ وسقط هو الاخر تحت ثقل المرض صريعآ , وظل المرض يأكل من لحمه وأفاق فوقة الموت وأصدر وهو على سرير الموت "منشور تسامح " يعطى المسحيين حقوقهم من جديد.
اضطهاد ... مكسيمين :
ولكن لم يدم السلام كثيرآ فى الشرق, حتى جاء الاخبار بأن مكسيمين عدو المسحيين اغتصب الشرق , وأعلن نفسه امبراطور على كل اسيا وسوريا ومصر خلفآ لجاليريوس .
وفى خريف سنة 311م خرج أول منشور بالتضيق على المسيحيين وفى شتاء سنة 311م صدر منشور أخر بسجن كل الاساقفه والكهنة والشمامسة حتى أكتظت السجون من جديد .
البابا الحبيب بطرس خاتم عصر الشهداء :
انه من أعذب قديسنا ,له من المحبة فى قلبه الكثير والكثير , فبسبب تواضعه الشديد ونقاوة قلبه سكب الله فى قلبه من محبة المسيح بلا كيل وظهرت هذه المحبة فى تصرفاته وسلوكه نحو شعبه , ومن نقاوة محبته لله . وشدة حبه للبشر اذ ان قلبه امتلآ من الحب الذى هو المسيح ,فلم تحتمل روحه ان ترى المزيد من عذبات الشهداء ,فطلب من الله انهاء عصر الاستشهاد . وان يكون استشهاده هو نهاية زمن الفرس الاحمر الذى شاهده يوحنا الحبيب فى سفر الرؤيا وقد كان.
فبعد منشور جاليريوس بالسماح خرج القديس البابا بصرس بابا الاسكندرية السابع عشر من أقبية سجن كامب شيزار , ولكن لم يستقر على كرسيه طويلآ أذا أعاده منشور مكسيمين مرة أخرى الى السجن, وليس هذا فقط بل جاء منشور أخر بقطع رأس البابا بطرس.
ومن محبة القيس بطرس لشعبه توسل لدى الامبراطور ان تأخذ راسه سرآ حتى لا يحدث بسببه هياج فى الشعب .
وركع البابا بطرس وأحنى رأسه للسيف و تدحرجت رأسه على الارض وأمتزجت دماؤه بدماء باباه الاول مرقس الرسول ,فارتوت الكنيسة التى زرعها مرقس ورواها بدمه . وكان ذلك فى 25 نوفمبر سنة 311م .
الرب يسمع للبابا بصرس ويصير خاتم الشهداء:
صلى الباب ان يختم عصر الاستشهاد بالدم به وسمع منه الله .
فقد زحف قسطنطين بجيوشه ناحية روما وتقابل مع جيش مكسنتيوس عبر قنطرة ملفيان الشهيرة فوق نهر التيبر حتى تراجعت جيوش مكسنتيوس مدحورة و سقطوا فى نهر التيبر سنة 312م .
وتقدم نحو ميلان وتصاهر مع لسينيوس فى يناير سنة 313م واتفقا على منشور ميلان السلامى الذى اعطى ونظم كل حقوق الكنيسة تجاه الدولة .
وقرر مكسيمين مواجهة جيوش قسطنطين ولسينيوس ولكن هزم شر هزيمه , ومن قصر نيقوميديا الذى خرج منه أعظم واخطر منشور لاضطهاد المسيحيين فى العالم على يد دقليديانوس اصدر لسينيوس من نفس القصر أيضا منشور "ميلان السلامى" لكل مسيحيين العالم ايضآ وانتهى عصر الفرس الاحمر بصلاة القديس بطرس وصار خاتم الشهداء .
صلاوات وطلبات كل الشهداء وصوت دمائهم التى روت كل بقاع الارض ,لتكن معنا فى هذا الزمان وصحيح هو ليس عصر الاستشهاد ولكن نحن نحتاج الى معونة كبيرة جدآ حتى نستطيع أن نتمسك بالمسيح فى هذا الزمان الردئ , ونرفض أفكاره ونتمسك بالصليب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق